*
............و الكشافون أو الرواد المسلمون الجزائريون برئاسة عمر لاغا. وكان شعار هذا المخيم <الاستقلال و الحرية>
***مجازر 80ماي 1945 و التنظيم الكشفي:***
في مثل هذا اليوم خرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية كغيره من شعوب العالم المحبة
للسلام و الحرية للتعبير عن فرحته بانتهاء الحرب العالمية الثانية التي ساهم فيها بأبنائه بل أقحم
فيها لدحر قوات المحور فاستغل مناسبة الاحتفال بعيد النصر ليطالب فرنسا بتحقيق الوعود
والمتمثلة في الاعتراف للشعب الجزائري بحقه في الحرية و تقرير المصير و لهذا الغرض
وجهت تعليمات للمناضلين تحث على وجوب استغلال كل المنظمات الشعبية بما فيها الحركة
الكشفية هذه الأخيرة سجلت حضورها بالمشاركة الفعالة في مظاهرات ماي 1945 إذ كانت في
مقدمة الموكب في كل مظاهرة نظمت عبر التراب الوطني فبزيها الرسمي و بالأعلام الوطنية
رمز الحرية والاستقلال رفعت التحدي الأكبر أمام اكبر قوة استعمارية. بعد أن أجيزت
المظاهرات رسميا من نيابة الولاية استعد أهل مدينة سطيف كبقية المدن الجزائرية ليشاطروا
العالم أفراحه بانتهاء الحرب و ذلك صباح يوم 8ماي 1945 للاحتفال بهذا النصر و لإحياء
أرواح الجنود الجزائريين الذين قاتلوا في عدة جبهات مقابل الوعود الزائفة في تقرير المصير و
نيل الحريات الأساسية التي تغنى بها الحلفاء قبل انهزام النازية الفاشية. كان هناك استعداد كبير
لاستغلال هذه المناسبة خاصة و أن هذا اليوم يصادف يوم السوق الأسبوعي لمدينة سطيف و
القرى المجاورة لها حيث يتوافد آلاف السكان فاتخذ مسجد أبى ذر الغفاري مكانا للقاء أين
انتظمت المظاهرة و على رأسها 200كشاف باللباس الرسمي أي الزي الكشفي. ولما وصلت
<كشافة الحياة> إلى أعالي مقهى فرنسا <اليوم مقهى 8 ماي 1945> رددت نشيدا وطنيا جديدا
مطلعه <حيوا إفريقيا>.و أثناء المسيرة تدخل محافظ الشرطة القضائية اوليفييري <olivieri>
معترضا الموكب للحيلولة دون رفع الشعارات المعادية لفرنسا مثل ليسقط الاستعمار- ليسقط
النظام الأهلي - عاشت الجزائر المستقلة.كما تدخل لانتزاع العلم الجزائري و أمام رفض
المتظاهرين الامتثال لأوامره استنجد بزملائه الجلادين و على رأسهم مفتش الشرطة <laffont
> الذي اخترق صفوف المتظاهرين بزيه المدني محاولا انتزاع اللافتات و خاصة العلم
الجزائري المحظور فسقط أول شهيد برصاص العدو على يد مفتش الشرطة <laffont> و هو
الشاب الكشاف:سعال بوزيد البالغ من العمر 22 سنة الذي أصر على الاحتفاظ بالعلم الجزائري
في وسط هتافات منادية بالحرية و السيادة.هذا الحدث احدث هلعا كبيرا في أوساط المتظاهرين
فتدخلت الشرطة ورجال الدرك لإطلاق النار عشوائيا فكانت الحصيلة قتلى و جرحى الأمر
الذي أدى إلى انقسام الموكب. وأمام هذه المأساة أمر مسؤلو أحباب البيان و الحرية بنقل الأموات
والجرحى وطالبوا بإعادة تشكيل الموكب على مستوى شارع <sillegue> <اليوم بني فوذة>
ليواصل مسيرته في نظام باتجاه قبر <الجندي المجهول> لوضع باقة من الورود ترحما على
الجزائريين .أما الفريق الآخر من المتظاهرين فانقسم إلى مجموعات صغيرة اشتبكت مع العناصر
الأوربية أدت إلى سقوط العديد من الضحايا فأخذت المسيرة الشعبية السلمية طابعا آخر إذ
تحولت إلى حركة ثورية ظلت متواصلة طيلة شهر ماي استعملت فيها سلطات الاحتلال وسائل
قمعية شرسة ردا على المظاهرة السلمية التي استهدفت بالدرجة الأولى عناصر الكشافة
الإسلامية الجزائرية إذ تحملت النصيب الأكبر من الضرر و البطش نظرا لمواقفها الوطنية و
جرأتها على رفع العلم الجزائري رمز الجزائر المستقلة. بالفعل سجلت الكشافة الإسلامية
الجزائرية مشاركة عناصرها الوطنية في المظاهرات التي نظمت في العديد من المدن الجزائرية
بل كانوا من قادتها واستشهد الكثير منهم نذكر على سبيل المثال لا الحصر مدينة القالة – عنابة -
البليدة-سيدي بلعباس-تيزي وزو-باتنة-بسكرة-برج بوعريريج-بجاية-قسنطينة-خنشلة-تبسة-سكيكدة-
العلمة-عين ولمان-ميلة-عين فكرون...الخ. وفي إطار التعريف بجرائم الاستعمار في هذه
الانتفاضة الشعبية إزاء هذه المدرسة الوطنية استعرضت فرنسا عضلاته بالتنكيل و القمع
العشوائي إذ انتهجت سياسة إجرامية يندى لها جبين الإنسانية حيث نكلت بالعناصر الكشفية و
قادتها ليكونوا عبرة لمن تخول له نفسه القيام بالثورة و الانفصال عن فرنسا إذ لازالت هذه
المجازر الرهيبة راسخة في أذهان الجزائريين و ستبقى العديد من المناطق خير شاهد للتاريخ
على حقد و همجية المستعمر الغاصب نذكر منها جسر العواذر-مضائق خرناطة-شعبة لآخرة-
موقع <كاف البومبا> <gouffre de la bombe> . وعلى سبيل الاستشهاد أقدمت سلطات
الاحتلال على شن حملة واسعة من الاعتقالات مست الإطارات القيادية للكشافة بتيزي وزو و في
مقدمتهم : محمد القشعي – فرج محمد – لوانشي محمد.الذين وجهت لهم تهمة المساس بالسيادة
الفرنسية و المشاركة في الإعداد للثورة.كما بلغ عدد المعتقلين في فوج النجوم الكشفي بقالمة 40
عنصرا القي عليهم القبض يوم السبت 12/05/1945 لينفذ فيهم حكم الإعدام في اليوم الموالي
13 ماي 1945. وانتهاجا لسياسة إبادة العناصر الكشفية أصدرت المحاكم العسكرية أحكاما
قاسية قضائية إذ تؤكد المصادر التاريخية إعدام 70 عنصرا من الكشافة الإسلامية الجزائرية
وضع 7سبعة منهم في فرن عالي الحرارة في كاف البومبا بقالمة طبقا لتعليمات اشياري<
achiary> الذي جمع المستوطنين و طلب منهم الانتقام. ومن مظاهر استفزاز و زعزعة التنظيم
الكشفي أقدمت إدارة الاحتلال على تعطيل و توقيف نشاطات الكشافة الإسلامية الجزائرية و غلق
نواديها و العبث بممتلكاتها و تفكيك وحداتها خاصة في قسنطينة و القبائل فأوقفت قادتها و
أعدمت منهم الكثير. وفي هذا الإطار و طبقا لقرار 14 ماي 1945 و بطلب وكيل والي تيزي
وزو <<فان والي الجزائر يلغي كافة نشاطات الكشافة الإسلامية الجزائرية في القبائل>. كما
نص قرار 31/12/1945 <أن والي قسنطينة أعطى تعليمات لتوقف فورا نشاطات الكشافة
الإسلامية الجزائرية في كل قسنطينة>. لقد كان لحوادث الثامن ماي 1945أثرا بالغا على
العناصر الكشفية الوطنية حيث عززت رفضها للاستعمار و دفعت بهم لخدمة قضية هذا الوطن
إذ اعتقدت فرنسا بارتكابها هذه المجازر بأنها كبحت تيار التحرر غير انه حدث العكس إذ كانت
هذه الحوادث بعثا جديدا و نقطة انطلاق للطلائع الواعية التي أدركت بان العمل السياسي قد
وصل إلى طريق مسدود و لابد من انتهاج الخيار العسكري لاسترجاع ما اخذ بالقوة و الذي جسد
فعلا ميدانيا في ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 عند التحاق العناصر الكشفية الوطنية بصفوف جيش
التحرير الوطني.
('....يتبع......)
*